الدكتور سيد نافع يكتب : الموت
هل الموت لفظ يطلق علي عملية الانتقال من تلك الدار إلي التي تليها بانفصال الروح عن الجسد ( الموت البيولوجي ) ؟ أم أن للموت معني آخر ؟ (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور) (185) ِ آل عمران
الموت لفظ يطلق علي الموت البيولوجي والموت الوجودي , فالموت البيولوجي ينقسم قسمان موت سريري وموت اكلينيكي ، الموت السريري هو موت جزع المخ وتوقفه عن العمل (Brain stem death ) ويمكن أن يظل الإنسان علي اجهزة التنفس الصناعي لفترة بقلب ينبض وتنفس وهي حالة تختلف عن الغيبوبة العميقة التي بعدها يمكن للمريض أن يسترد وعيه ويعود للحياة ، أما الموت الإكلينيكي هو توقف القلب والتنفس توقفاً لا رجعة فيه وانفصال الروح عن الجسد فصل تام وهو يعني الانتقال ولا يعني الفناء ، فالفناء للجسد بينما الروح تبقي ، فهي من الأشياء التي لها أول وليس لها آخر ، وتبقي بعد الموت إما معذبة أو منعمة إلي أن ترد للجسد يوم القيامة وتستكمل بقية حسابها فاستيفاء الجزاء إنما يكون يوم القيامة ومن هذه الآية الكريمة استدل ابن عباس رضي الله عنه علي عذاب القبر ونعيمه حيث يكون قسطاً ، أما استيفاء الحساب فيكون يوم القيامة ، وهذا النوع من الموت والموتي هم الذين خاطبهم رسول الله بعد غزوة بدر ، وهؤلاء الموتي يسمعون قرع نعال المشيعيين عند الانصراف ويحسون بكل شيئ ما يعني أن للروح حواس كما للجسد فالإنسان بعد الموت يأنس بالزيارة ، وليس المقصود في قوله تعالي ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ) فاطر22
فالحياة والموت هنا ليس المقصود بهما الحياة والموت البيولوجي كما اعتقد الكثيرون وحتي كبار المفسرين ففهموا أن الموتي في القبور لا يسمعوا ولا يحسوا ، والمقصود بالقبور هنا أن صارت أجسادهم قبوراً لأنفسهم وأرواحهم ، صاروا قبوراً تمشي علي الأرض وإن كانوا في الظاهر أحياء بيولوجياً وفي الحقيقة أموات وجودياً وهو ما يفهمه البعض علي أنه مجازاً ( الموت المجازي ) ، فما نفي الله تبارك وتعالي عنهم السمع لا يمكن لرسول الله صلي الله عليه وسلم أن يثبت لهم ما نفاه رب العزة تبارك وتعالي ، فلابد أن هناك نوع آخر ومعني آخر للموت وهو الذين نفي رب العزة عنهم السمع والإحساس وهو المعني الآخر للموت وهو الموت الوجودي .
الموت الوجودي.. قال تعالي : ( أوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَاجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام122
والمقصود بالموت هنا هو الكفر والضلال والانحراف عن طريق الله القويم وهو الموت الحقيقي بالرغم من مظاهر الحياة الظاهرة ، وهذا النوع من الموت هو الذي يصاحبه عدم السمع وعدم الهداية فقد نفي رب العزة تبارك وتعالي عنهم الرؤيا والسمع والعقل بأن ختم علي قلوبهم وأصم آذانهم وجعل علي أبصارهم غشاوة جزاء الإعراض بعد الإنذار والإصرار والاستكبار ، فهؤلاء هم موتي القلوب أصحاب الأرواح الخبيثة التي تخرج عند الموت كأنتن ريح جيفة علي وجه الأرض لأ يشمها ملك بين السماء والأرض إلا عافها ونفر منها حتي تصل إلي باب السماء الأولي فلا تفتح لها وتلقي علي الأرض ، فهؤلاء صارت أبدانهم قبور تحوي جيف وهم المعنيون في قوله تعالي : ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ) فاطر22 ، والمقصود بالإسماع هنا الهداية وهي هداية المعونه والتوفيق وهي لمن كان في قلبه خير ، أما الذين ليس في قلوبهم خيرا يختم الله علي آذانهم وعلي قلوبهم وعلي أبصارهم غشاوة ( فلو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ،ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ، إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) النمل80 ، فهؤلاء هم موتي القلوب هؤلاء هم الصم الذين لا يعقلون ولا يقدر علي ردهم إلي الحق إلا الخالق تبارك وتعالي ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) الأنعام122
( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)النحل21 المقصود بالأموات هنا الذين يعبدون الأصنام من دون الله وليس المقصود بأن الأصنام هم الأموات فهذا أمر مفروغ منه ولا يحتاج إلي تقرير من المولي عز وجل كما ذكره بعض المفسرين ، فالموت الوجودي الذي كان مثار اهتمام الفلاسفة في القرنين 19و20 واعتبار إن اﻹنسان الغير فاعل في الوجود ، أو الغير من وجد في الوجود على حد تعبير الفيلسوف هيدجر هو إنسان ميت ، ومنها أيضا قوله تعالي :. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ …وبالتالي هناك الموت البيولوجي والموت الوجودي. ، فالانسان الغير فاعل في الحياة كما قال هيدجر يعتبر ميت ولكن من المنظور الاسلامي الغيرمنبع للدين الذي يتفق مع الفطرة وهو الاسلام لأن به حياة القلوب .
* كاتب المقال طبيب جراح وباحث في الاعجاز العلمى للقرآن والسنة